فتح باب غرفته المغلقة بالمفتاح المعلق جانب الباب .. ضغط على مفاتيح الكهرباء .. وحينما أضاء المكان .. أخذ يحدق بكل ركن بها .. سريره ووسادة الأحلام .. مكتبته المليئة بدفاتر أشعاره وخواطره .. الطاولة التي شهدت على كل حرف كتبه .. واحتضنت في درجها المقفل .. مجموعة صور لمن تختبئ بين ثناياه .. وغير ذلك كله .. خزانة ملابسه .. التي ما إن فتحها .. حتى تسلل إلى وجدانه رائحة العطر الذي اقترحت عليه شراءه ..
وضع حقيبتيه في زاوية الغرفة .. أخرج له ملابس مريحة من خزانته .. دخل الحمام .. استحم .. وخرج نشيطا بعض الشيء .. مشّط شعره .. تعطر .. وفرش سجادته التي منذ زمن لم يصلي عليها .. وما إن فرغ من صلاته .. نهض منتزعا القرآن من المكتبة .. وجلس يرتل الآيات .. ابتداءً من الجزء الأول .. فقد أنهى ختمته بلأمس .. قبل مغادرته لتلك البلاد التي على وشك أن ينهي دراسته الجامعية فيها .
أغلق الأنوار .. وباب الغرفة أيضا .. واتجه نحو غرفة " فطوم " حينما رأي حركة تبعث منها .. لم تخفى من الباب المفتوح قليلا ..
وقف جانب الباب .. فتحه بأكمله .. وتفاجئ حينما رآها بإحرام الصلاة .. لم تنتهي من صلاتها بعد !
وقال موبخا : بشتكي عليج عند جدتي بتشوفين تشغلينها علي .. وانتي حضرتج ..
لم يكمل ما بدأ به .. حينما لفت رأسها ناحيته .. وحلت صعقة كهربائية في حناياه .. وهو يراها .. أشبه بالملائكة .. تبحر في بياض ..
=
=
=
تبسمت متفاجئة : اووه .. رجعت ! قلت لهم انك قطوة بسبع أرواح بس ما صدقوا ..
حاول أن يبدوا طبيعيا متجاهلا ما ختمت به حديثها : أيوة .. ما تشوفين البحرين منورة ؟
ضحكت ساخرة : وااجد واااجد .. من جذي بسكر " الشمسية " اللحين ..
رفع كفه وعبث بلحيته : ما يحتاج تعبين نفسج وتسكرينها .. بسكرها عنج أنا ..
أغلق الأضواء .. وقبل أن يغلق الباب صرخت : هي انت .. جذبت جذبة وصدقتها ؟ شغل الشمسية .. تراني أخاف من الظلام ..
اقتحمه شيء من الضيق : أضن لي اسم ..
وأغلق الباب ..
=
=
=
استعجلت زوجها : يلله يا بو رضا .. صار لي ساعة من لبست ..
وقف يرتب شماغه أمام المنظرة : صبري شوي .. تبيني أروح مبهدل ؟
جلست بجواره : هذا انت من 24 سنة وهذا كلامك .. كبرنا على هسوالف ..
تبسم ضاحكا : انتي كبرتي بكيفج .. أنا للحين شباب .. والبنات يلاحقوني ..
نهضت من مكانها واشتعلت فتيلة الغيرة بقلبها المعذب : يلاحقونك ولا تلاحقهم ما يهمني .. أنطرك في السيارة ..
خرجت من الغرفة وتركته يتأمل مكانها الفارغ .. وأخذ " سويج " سيارته .. وهم خارجا من الغرفة .. وهو يتمنى لو لم أقل لو لم أفعل ! ليته ما حدث ما حدث !
اتجه ناحية سيارته .. بحث عنها بين أبناءه الواقفين جانب السيارة .. ولم يجدها !
ودخل داخل المنزل مجددا .. ناداها .. وحين لم يسمع جوابا .. أخذ يبحث عنها من غرفة لأخرى .. وحينما سمع صوت نحيبها بغرفة ابنه الأكبر " رضا " آلمه قلبه .. واستعد لتأنيبها .. ولكـــن .. فتح عيناه بصدمة .. عندما فتح الباب .. وسرت رجفة حادة .. اقشعر بسببها بدنه .. وهمس بضعف : يا ربي !
=
=
=
مدت كفها بورقة مطوية : ابي اقول لج شي .. بس استحي ..
ابتسمت : شي خطير يعني ؟
أردفت بسرعة : تقريبا .. تقدرين تقولين ..
مدت ذراعها الأخرى : طيب عطيني ..
نكست رأسها : بعطيج اياها بشرط ؟
وبنفاذ صبر : قابلة فيه .. عطيني الورقة ..
فطوم : تقرينها في أي مكان .. بس مو هني .. أهم شي مو صوبي ..
نهضت من مكانها : عطيني اياها .. كاني قمت .. بقراها برى ..
مدت كفها بالورقة : بليييز .. لا تفهميني غلط ..
" لهدرجة الموضوع يحرج ويخوف ؟! شنو صاير " هذا ما مر في خاطرها .. بعد أن أخذت الورقة .. وقبل أن تخطو خطوتها الأولى خارجا .. سمعت صوت والدتها : نادي اخوانج .. ابوج وصل ..
هزت رأسها : ان شاء الله ماما ..
=
=
=
نهض من مكانه .. قاصدا خارج المنزل .. ليسلم على زوج خالته الذي مضى سنة لم يره فيها .. وما إن أغلق الباب الداخلي .. حتى رآها واقفة تصرخ على اخوتها بأعلى صوتها .. وتفتح ورقة !
تبسم ضاحكا .. حينما تذكر كيف كان وجهها وهي خارجة من الغرفة .. جلست بجانب " فطوم " وتنظر إلي باشمئزاز .. " هههههه " هكذا هي دوما .. اعتدت على شقاوتها وكبريائها المبالغ فيه ..
" بيـــــان "
اللتفت إلي وهي تقوم : بسم الله الرحمن الرحيم .. ( وباستنكار أكملت ) انت ؟!
مازالت ابتسامتي على جثمان شفتي : أيوة .. أنا .. ولا تشوفيني أحد ثاني ؟
أثارت غضبي بتلك النظرات التي تمطرني بها ولكن لا بأس .. كل شيء منها جميل : أعــوذ بلله .. جني ..
ودخلت داخل المنزل .. بينما أنا واصلت طريقي خارجا ..
=
=
=
على تلك المقاعد .. كان جالسا .. بجانب زوجته .. يهدأ روعها .. وقلبه يحتاج لمن يخفف عنه ثقل الحمل !
حبيبتي ..
رفعت رأسها .. ووجهها ملطخ بالدمع : والي يسلمك .. روح شوف شنو صار ؟ من دخلوه ما طلعوا !
تبسم : ان شاء الله .. اللحين بروح .. بس انتي لا تصيحين .. تعرفين دموعج أي كثر غالية علي ..
نهض قاصدا غرفة الطبيب .. طرق الباب .. وحين لم يسمع ردا .. فتح الباب .. ودخل ..
السلام عليكم ..
الطبيب بابتسامة : وعليكم السلام .. تفضل يا بو رضا ..
جلس معتذرا : مسامحة .. بس تأخرتون علينا .. وامه خايفة عليه .. ( وبخوف ) عسى ما في ولدي شي ؟
انمحت ابتسامة الطبيب وقال بهدوء : أنا بقول لك النتيجة الي توصلت إليها .. بس مو اكيد صحيح الي أقوله .. ولا أقولك ؟؟ اصبر لما تطلع نتيجة التحاليل ..
رد مرتبكا : أي تحاليل الله يهداك .. قولي شنو توصلت له وطمني ..
تنهد الدكتور : وسع بالك .. واضح عليك خايف .. والي بقوله لك ما بريحك .. فانتظر .. يكون احسن ..
=
=
=
رفعت الهاتف : الو ؟؟
سمعت صوت بكاء ..
قالت مرة أخرى : الو ؟؟ مين ؟؟
فطووم .. احنا في البيت بروحنا .. تعالي لنا تكفين ..
افترسها الخوف : بروحكم في البيت ؟؟ وين الماما يقونة ؟؟
وما زالت تبكي : كنا بنجي بيتكم .. لما دخلت الماما غرفة رضا تشوف ليش اتأخر .. ولقته مرمي على الأرض ووجهه أحمر .. وفمه مفتوح .. كأنه يبي يتنفس مو قادر ( وزاد بكاءها ) أنا خايفة ..
دمعت عيونها : سكري الباب .. ولا تفتحون الباب لأحد .. جاينكم بالطريق احنا ..
=
=
=
هههههه .. فديتها المعصبة ..
وكأن ضحكته .. كلماته .. ثلجا على الجرح : عن جد والله تقهر .. لكن بتشوف الحمارة .. برد لها الحركة ..
ومن بين ضحكاته : اقول روحي ..
ابتسمت .. " روحي " الكلمة المفضلة لديها : قول .. اسمعك ..
ارخى رأسه على مقعد السيارة : انا قريب من بيتكم .. تبيني اجيج ؟؟
ابتسمت بسعادة : صدق ؟؟ حياااك .. انتظرني بفتح لك باب المجلس ..
ضحكت بقوة .. يعجبني جنونها : يلله تراني وصلت .. سرعي لا أهون وأرد ..
فتحت نافذتها : تراني اطالع من الدريشة .. وبسمع صوت سيارة اذا مريت صوب البيت .. لا تلعب علي ..
ما زال يضحك : حرااام عليييج .. ذبحتيني ..
احمرت وجنتاها .. هذه عبارته التي تشعرها بصدق حبه .. ونواياه !
=
=
=
اتصل إلى اخته .. والخوف يحرق فؤاده وبعد رنين طويل .. لا يجد رداً .. يغلق هاتفه .. ويلتفت مبتسما إلى أبناءها : تبون نروح أي حديقة ؟
عمار وهو يمسح دمعه : عــذاري ..
ضحكت فطوم : قلت بقول ابي اروح المستشفى .. يقول عذاري !
وحين سمع ضحكاتهم زاد في بكاءه : خذني للماما ..
ابتسم : ما عليج منها .. باخذك لعذاري .. كم عمار عندنا ؟؟
قالت يقين : ورضــا ؟؟ وأمنا وأبونا ؟؟
فطوم : بياكلهم العاعو مثلا ؟
رمقها غاضبا : فطووم .. لا تجنينهم .. ( التفت لأبنته أخته ) بدز لمج مسج .. بقول لها انكم معاي .. طيب ؟؟
هز الصغيران رأسيهما بسعادة .. بينما ألقى نضرة إلى ساعته .. إنها العاشرة والنصف .. يا رب فرجها ..
=
=
=
أسدلت الشمس خيوطها الذهبية .. بعــد أن ولـــى الليل .. وحــل النهار ..
فتح عينيه على أصوات طرق على الباب .. وصوت حنون سماوي : قوم يوليدي .. بسك نوم ..
ابتسم مطمئنا أن العالم ما زال بخير .. دام أن مثل هذه المرأة الكثير ..
مد ذراعيه .. حرك رقبته يمينا ويسارا .. وفتح قفل الباب .. رآها والابتسامة غير خافية على وجها .. قبل رأسها : صبحج الله بالخير ..
أم إبراهيم : صبحك الله بالنور يوليدي .. عساك شبعت نوم ؟؟
رفع كفه .. يغطي فمه وهو يتثاءب : يعني .. عانيت وأنا أحاول أنام .. ( ويتذكر أخته ) إلا شخباره رضا ؟
تلاشت ابتسامة الأم : وي على قلبي .. امس باتت بالمستشفى هي وزوجها .. قالو لهم التحاليل بتطلع الصبح .. الله يخليك اتصل .. شوف شنو النتيجة ؟؟
هز رأسه : ان شاء الله يمه .. أسبح واتصل ..
Next..